فصل: قال أبو السعود:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.قال أبو حيان:

{قالوا أوذينا من قبل أن تأتينا ومن بعد ما جئتنا} أي بابتلائنا بذبح أبنائنا مخافة ما كان يتوقع فرعون من هلاك ملكه على يد المولود الذي يولد منا {من قبل أن تأتينا}، قال الزمخشري: من قبل مولد موسى إلى أن استنبأ {ومن بعد ما جئتنا} إعادة ذلك عليهم قاله ابن عباس وزاد الزمخشري: وما كانوا يستعبدون ويمتهنون فيه من أنواع الخدم والمهن ويمسّون به من العذاب انتهى، وقال ابن عطية: والذي من بعد مجيئه يعنون به وعيد فرعون وسائر ما كان خلال تلك المدة من الإخافة لهم، وقال الحسن: بأخذ الجزية منهم قبل بعث موسى إليهم وبعد بعثه ما زاد على ذلك، وقال الكلبي: كانوا يضربون له اللبن ويعطيهم التّبن فلما جاء موسى غرمهم التبن وكان النساء يغزلن له الكتان وينسجنه، وقال جرير: استسخرهم من قبل إتيان موسى في أوّل النهار إلى نصف النهار فما جاء موسى استسخرهم النهار كله بلا طعام ولا شراب، وقال علي بن عيسى {من قبل} بالاستعباد وقتل الأولاد {ومن بعد} بالتهديد والإبعاد، وروي مثله عن عكرمة، وقيل من {قبل أن تأتينا} بعهد الله بالخلاص {ومن بعدما جئتنا} به قالوه في معرض الشكوى من فرعون واستعانة عليه بموسى، وقال ابن عباس والسدّي: قالوا ذلك حين اتبعهم واضطرّهم إلى البحر فضاقت صدورهم ورأوا بحرًا أمامهم وعدوًّا كثيفًا وراءهم لما أسرى بهم موسى حتى هجموا على البحر التفتوا فإذا هم برهج دواب فرعون فقالوا هذه المقالة وقالوا هذا البحر أمامنا وهذا فرعون وراءنا قد رهقنا بمن معه انتهى.
وهذا القول فيه بعد وسياق الآيات يدلّ على الترتيب وقد جاء بعد هذه {ولقد أخذنا آل فرعون بالسنين}، قال ابن عطية: وهو كلام يجري على المعهود من بني إسرائيل من اضطرابهم على أنبيائهم وقلة يقينهم وصبرهم على الدّين انتهى، قيل ولا يدلّ قولهم ذلك على كراهة مجيء موسى لأن ذلك يؤدي إلى الكفر وإنما قالوه لأنه كان وعدهم بزوال المضار فظنوا أنها نزول على الفور فقولهم ذلك استعطاف لا نفرة.
{قال عسى ربكم أن يهلك عدوكم ويستخلفكم في الأرض فينظر كيف تعملون} هذا رجاء من نبي الله موسى عليه السلام ومثله من الأنبياء يقوي قلوب أتباعهم فيصبرون إلى وقوع متعلق الرّجاء ولا تنافي بين هذا الرجاء وبين قوله: {والعاقبة للمتقين} من حيث إن الرجاء غير مقطوع بحصول متعلّقة والأخبار بأنّ العاقبة للمتقين واقع لا محالة لأن العاقبة إن كانت في الآخرة فظاهر جدًّا عدم التنافي وإن كانت في الدنيا فليس فيها تصريح بعاقبة هؤلاء القوم المخصوصين فسلك موسى طريق الأدب مع الله وساق الكلام مساق الرجاء، وقال التبريزي يحتمل أن يكون قد أوحى بذلك إلى موسى فعسى للتحقيق أو لم يوح فيكون على الترجي منه، قال الزمخشري: تصريح بما رمز إليه من البشارة قبل وكشف عنه وهو إهلاك فرعون واستخلافهم بعده في أرض مصر، وقال ابن عطية واستعطاف موسى لهم بقوله: {عسى ربكم أن يهلك عدوكم} ووعده لهم بالاستخلاف في الأرض يدلّ على أنه يستدعي نفوسًا نافرة ويقوي هذا الظن في جهة بني إسرائيل وسلوكهم هذا السبيل في غير قصة والأرض هنا أرض مصر قاله ابن عباس وقد حقّق الله هذا الرجاء بوقوع متعلقة فأغرق فرعون وملكهم مصر ومات داود وسليمان، وقيل: أرض الشام فقد فتحوا بيت المقدس مع يوشع وملكوا الشام ومات داود وسليمان ومعنى {فينظر كيف تعملون} أي في استخلافكم من الإصلاح والإفساد وهي جملة تجري مجرى البعث والتحريض على طاعة الله تعالى وفي الحديث: «أن الدنيا حلوة خضرة وأن الله مستخلفكم فيها فناظر كيف تعملون»، وقال الزمخشري: فيرى الكائن منكم من العمل حسنه وقبيحه وشكر النعمة وكفرانها ليجازيكم على حسب ما يوجد منكم انتهى، وفيه تلويح الاعتزال ودخل عمرو بن عبيد وهو أحد كبار المعتزلة وزهادهم على المنصور ثاني خلفاء بني العباس قبل الخلافة وعلى مائدته رغيف أو رغيفان وطلب زيادة لعمرو فلم توجد فقرأ عمرو هذه الآية، ثم دخل عليه بعد ما استخلف فذكر له ذلك وقال قد بقي {فينظر كيف تعملون}. اهـ.

.قال أبو السعود:

{قَالُواْ} أي بنو إسرائيلَ {أُوذِينَا} أي من جهة فرعونَ {مِن قَبْلِ أَن تَأْتِيَنَا} أي بالرسالة، يعنون بذلك قتلَ أبنائِهم قبل مولدِ موسى عليه الصلاة والسلام وبعدَه {وَمِن بَعْدِ مَا جِئْتَنَا} أي رسولًا، يعنون به ما توعدهم به من إعادة قتلِ الأبناءِ وسائر ما كان يفعل بهم لعداوة موسى عليه السلام من فنون الجَوْر والظلمِ والعذاب، وأما ما كانوا يُستعبَدون به ويُمتهنون فيه من أنواع الخَدَم والمِهَن كما قيل فليس مما يلحقهم بواسطته عليه السلام فليس لذكره كثيرُ ملابسة بالمقام {قَالَ} أي موسى عليه الصلاة والسلام لما رأى شدةَ جَزَعِهم مما شاهدوه مسليًا لهم بالتصريح بما لَوَّح به في قوله: {إن الأرض لله}، إلخ {عسى رَبُّكُمْ أَن يُهْلِكَ عَدُوَّكُمْ} الذي فعل بكم ما فعل وتوعّدكم بإعادته {وَيَسْتَخْلِفَكُمْ في الأرض} أي يجعلَكم خلفاءَ في أرض مصرَ {فَيَنظُرَ كَيْفَ تَعْمَلُونَ} أحسنًا أم قبيحًا فيجازيَكم حسبما يظهر منكم من الأعمال، وفيه تأكيدٌ للتسلية وتحقيقٌ للأمر. قيل: لعل الإتيانَ بفعل الطمع لعدم الجزمِ منه عليه السلام بأنهم هم المستخلَفون بأعيانهم أو أولادُهم، فقد روي أن مصرَ إنما فتحت في زمن داودَ عليه السلام ولا يساعده قوله تعالى: {وَأَوْرَثْنَا القوم الذين كَانُواْ يُسْتَضْعَفُونَ مشارق الأرض ومغاربها} فإن المتبادرَ استخلافُ أنفسِ المستضعفين لا استخلافُ أولادِهم، وإنما مجيءُ فعلِ الطمعِ للجري على سنن الكبرياء. اهـ.

.قال الألوسي:

{قَالُوا أُوذِينَا مِنْ قَبْلِ أَنْ تَأْتِيَنَا وَمِنْ بَعْدِ مَا جِئْتَنَا}.
{قَالُواْ} أي قوم موسى له عليه السلام {أُوذِينَا} من جهة فرعون {مِن قَبْلِ أَن تَأْتِيَنَا} بالرسالة يعنون بذلك قتل الجبار أولادهم قبل مولده.
وبعده إذ قيل له: يولد لبني إسرائيل غلام يسلبك ملكك ويكون هلاكك على يديه {وَمِنْ بَعْدَمَا جِئْتَنَا} أي رسولًا يعنون به ما توعدهم به من إعادة قتل الأبناء وسائر ما كان يفعل بهم لعداوة موسى عليه السلام من فنون الجور والعذاب، وقيل: إن نفس ذلك الإيعاد إيذاء، وقيل: جعل إيعاده بمنزلة فعله لكونه جبارًا.
وقيل: أرادوا الإيذاء بقتل الأبناء قبل مولد موسى عليه السلام وبعد مولده، وقيل: المراد ما كانوا يستعبدون به ويمتهنون فيه من أنواع الخدم والمهن، وتعقب بأن ذلك ليس مما يلحقهم بواسطة موسى عليه السلام فليس لذكره كثير ملاءمة بالمقام، والظاهر أنه لا فرق بين الإتيان والمجيء وإن الجمع بينهما للتفنن والبعد عن التكرار اللفظي فإن الطباع مجبولة على معاداة المعادات، ولذلك جيء بأن المصدرية أولًا وبما أختها ثانيًا.
وذكر الجلال اليوطي في الفرق بينهما أن الإتيان يستعمل في المعاني والأزمان والمجيء في الجواهر والأعيان وهو غير ظاهر هنا إلا أن يتكلف، ونقل عن الراغب في الفرق بينهما أن الإتيان هو المجيء بسهولة فهو أخص من مطلق المجيء وهو كسابقه هنا أيضًا، وهذا منهم جار مجري التحزن لعدم الاكتفاء بما كنى لهمعليه السلام لفرط ما عراهم وفظاعة ما اعتراهم، والمقام يقتضي الإطناب فإن شأن الحزين الشاكي إطالة الكلام رجاء أن يطفىء بذلك بعض الأوام، وقيل: هو استبطاء منهم لما وعدهم عليه السلام أن النجاة والطفر والأول أولى فقوله تعالى: {قَالَ عسى رَبُّكُمْ أَن يُهْلِكَ عَدُوَّكُمْ} الذي فعل بكم ما فعل وتوعدكم بما توعد.
{وَيَسْتَخْلِفَكُمْ} أي يجعلكم خلفاء {فِى الأرض} أي أرض مصر تريح بما كنى عنه وتوكيد للتسلية على إبلغ وجه، وفيه إدماج معنى من عادي أولياء الله تعالى فقد بارزه بالمحاربة وحق له الدمار والخسار.
وعسى في مثله قطع في إنجاز الموعود والفوز بالمطلوب، ونص غير واحد على التعبير به للجري على سنن الكرماء.
وقيل: تأدبًا مع الله تعالى وإن كان الأمر مجزومًا به بوحي وإعلام منه سبحانه وتعالى، وقيل: إن ذلك لعدم الجزم منه عليه السلام بأنهم المستخلفون بأعيانهم أو أولادهم، فقد روى أن مصر إنما فتحت في زمن داود عليه السلام.
وتعقب بأنه لا يساعده قوله تعالى: {وَأَوْرَثْنَا القوم الذين كَانُواْ يُسْتَضْعَفُونَ مشارق الأرض ومغاربها} [الأعراف: 137] فإن المتبادر استخلاف المستضعفين أنفسهم لا استخلاف أولادهم، والمجاز خلاف الأصل.
نعم المشهور أن بني إسرائيل بعد أن خرجوا مع موسى عليه السلام من مصر لم يرجعوا إليها في حياته، وفي قوله سبحانه: {فَيَنظُرَ} أي يرى أو يعلم {كَيْفَ تَعْمَلُونَ} أحسنًا أم قبيحًا فيجازيكم حسبما يظهر منكم من الأعمال إرشاد لهم إلى الشكر وتحذير لهم عن الوقوع في مهاوي الكفر، وقيل: فيه إشارة إلى ما وقع منهم بعد ذلك. اهـ.

.قال ابن عاشور:

{قَالُوا أُوذِينَا مِنْ قَبْلِ أَنْ تَأْتِيَنَا وَمِنْ بَعْدِ مَا جِئْتَنَا}.
{قالوا} حكاية جواب قوم موسى إياه، فلذلك فصلت جملة القول على طريقة المحاورة، وهذا الخبر مستعمل في الشكاية واستئثارتهم موسى ليدعو ربه أن يفرج كربهم.
والإيذاء: الإصابة بالأذى، والأذى ما يؤلم ويحزن من قول أو فعل، وقد تقدم عند قوله تعالى: {لن يضروكم إلاّ أذى} في سورة آل عمران (111)، وقوله: {فصَبروا على ما كُذبوا وأوذوا} في سورة الأنعام (34)، وهو يكون ضعيفًا وقويًا، ومرادهم هنا القوي منه، وهو ما لحقهم من الاستعباد وتكليفهم الأعمال الشاقة عليهم في خدمة فرعون وما توعدهم به فرعون بعد بعثة موسى من القطع والصلب وقتل الأبناء، وكأنهم أرادوا التعريض بنفاد صبرهم وأن الأذى الذي مسهم بعد بعثة موسى لم يكن بداية الأذى، بل جاء بعد طول مدة في الأذى، فلذلك جمعوا في كلامهم ما لحقهم قبل بعثة موسى.
وقد توهم بعض المفسرين أن هذا امتعاض منهم مما لحقهم بسبب موسى وبواسطته مستندًا إلى أن قتل الذكور منهم كان قبل مجيء موسى بسبب توقع ولادة موسى، وكان الوعيد بمثله بعد مجيئه بسبب دعوته، وليس ذلك بمتجه لأنه لو كان هو المراد لما كان للتعبير بقوله: {من قبل أن تأتينا} موقع، والإتيان والمجيء مترادفان، فذكر المجيء بعد الإتيان ليس لاختلاف المعنى، ولكنه للتفنن وكراهية إعادة اللفظ.
والإتيان والمجيء مدلولهما واحد، وهو بعثة موسى بالرسالة، فجعل الفعل المعبّر عنه حين عُلق به {قبل} بصيغة المضارع المقترن بأن الدالة على الاستقبال والمصدرية لمناسبة لفظ {قبل} لأن ما يضاف إلى {قبل} مستقبل بالنسبة لمدلولها، وجُعل حين علق به بعد بصيغة الماضي المقترن بحرف مّا المصدرية لأن ما المصدرية لا تفيد الاستقبال ليناسب لفظ بعد لأن مضاف كلمة بعد ماض بالنسبة لمدلولها.